كيف أنسى الماضي ؟
إجابة سعادة الدكتور / عادل با ناعمة
السؤال :
السلام عليكم و رحمة الله كيف ممكن أني أنسى الماضي و أمضي للتخطيط لمستقبل أفضل مع العلم أني تائبة و نادمة على كل ما بدر مني في الماضي و لكن أفكر كثيرا في الماضي و هو مايسبب لي الألم والتوتر العصبي و الخوف على الدوام و شكرا
الجواب :
علينا أن نبحث هنا ماهو سبب التفكير الكثير في الماضي .. أهو سبب عقليٌّ أم قلبيّ ؟
بمعنى ..
هل لديك قناعة عقلية أو بأن الإنسان مضطر لأن يكون مأسوراً لماضيه، أو بأنّ الماضي حاكمٌ على الحاضر والمستقبل ؟ أو بأن الإنسان لا يمكن أن يتغير ؟
أم ثمت شعورٌ قلبيٌّ عاصف لا شأن له بالعقل يسيطرُ عليكِ ويفرض على ذهنك أحداث الماضي ؟
فإنْ كان ثمت ( تصور عقلي ) من هذا النوع فإنّه يبطله التأمل فيما يلي :
1ـ قوله تعالى : ( إن الله يغفر الذنوب جميعاً )، مما يدل دلالة صريحة على أنّ كل ( الماضي ) تمحوه التوبة الصادقة حتى كأنه لم يكن أصلاً.
2ـ لو لم يكن الإنسان قابلاً للتغير نحو الأفضل لما بعث الله الرسل، ولما ندب المصلحين للدعوة والإرشاد، لأنه لا معنى لدعوة الإنسان ونصحه إذا كان ( مفطورا ) على السوء لا قابلية لديه للتغيير نحو الأفضل .
3ـ الماضي ليست له سلطة ذاتية على الحاضر ولا على المستقبل، بل نحن الذي نمنحه السلطة باختيارنا. والدليل على ذلك أنك تجدين أفرادا مأسورين لماضيهم، وآخرين أخذوا منه ما ينفع وتركوا ما يعوقهم وانطلقوا، فلو كانت للماضي سلطة ذاتية لاستوى الناس في الخضوع لها.
وأما تلك العواصف العاطفية التي تشدّك للماضي فيمكن التغلبُ عليها بإذن الله عبر عدة وسائل :
1ـ أهمّها ( الدعاء ) فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فسلي الله أن يصرف عنك الهواجس، ويطمئن قلبكِ، ويزيل قلقك، اجعل هذا دعاءً ترددينه بالليل والنهار، في كل سجدة، وبعد كل صلاةٍ، وفي كل وقت إجابةٍ وثقي بأن أرحمن الراحمين لن يخذلك.
2ـ أكثري من الاطلاع والاستماع للمواعظ التي تذكر برحمة الله، ومغفرته، وسعة فضله، كرريها بتأمل وحضور قلب، فإن لذلك فعل السحر في إزالة اليأس، والتبشير بالمغفرةِ، والطموح لغدٍ أفضل .
3ـ تذكري أنّ أعلام الأمة وأشرافها وكبراءها كانوا شراً منكِ وأسوأ حالاً، نعم .. لقد كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما كافرين، مشركين، وكان عمر يسجدُ للأصنام، ويعبد غير الله .. كانا في أحط الدركاتِ، ولكنها تجاوزا ماضيهما ليكونا أفضل رجلين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . الفضيل بن عياض كان لصاً فاسقاً فاجراً يشرب الخمر ويسلب الناس أموالهم وربما قتل .. ومع ذلك حين حانت لحظة الهداية نسي ماضيه كله وصار إمام العبّاد ورأس الزهاد. عبدالله بن المبارك يتحول من سكّير إلى أمير المؤمنين في الحديث .. بل أكثر من هذا .. المهدي .. الذي يملأ الله به الأرض عدلاً ونوراً ( يصلحه الله في ليلة ) كما صح في الحديث .
إذن .. كيف تجاوز هؤلاء ماضيهم الذي هو أسوأ من ماضيك ربما .. فصاروا نجوم الأمة ؟ أنت أيضا تستطيعين .
4ـ من المناسب رسم صورة واضحة لمعالم المستقبل الجديد الجميل، أعني لا تكتفي بأن تقولي : أريد أن أخطط لمستقبل أفضل، بل باشري هذا التخطيط مهما كان الأمر، ضعي أهدافا صغيرة وحققيها فهذا سيمنحك شعوراً بالرغبة في الاستمرار، وتحقيق بقية الأهداف. اربطي أهدافك الإيجابية بأخرياتٍ يستطعن أن يقوين من همتك، ويشددن من عزيمتك.
5ـ ثمت تقنيات في البرمجة اللغوية العصبية وما أشبهها من علوم قد تساعدُ في نسيان الماضي والحفز نحو المستقبل منها: تقنيةُ النميطات، وتقنية المستقبل المشرق، وتقنية الإرساء. ولعلك عبر النت أن تجدي تفاصيل لهذه التقنيات.
وفي الجملة فإن هذا النوع من المشكلاتِ يغلبُ عليه أن يكون مرده إلى ( ضعف الإرادة )، و(فقدان الثقة ) فمتى ما صحّ العزمُ ووثق المرء بنفسه ثم استعان بربه فإنه مجتازٌ بإذن الله مشكلته .
وأرجو أن يأتي يوم قريب تكتبين فيه إلي بأخبار الواقع المشرق الجديد الذي صرتِ إليه .
والله الهادي